النص السماعي عبد الرحمان بن خلدون - السادس ابتدائي
عبد الرحمان بن خلدون
كان الأطفال يسألونه: يا عبد الرحمن، لماذا تجمع كل هذه الأشياء؟
رد ابن خلدون: أحاول أن أعرف.
قال أحد الأطفال: كم أنت غريب، بهواياتك هذه!
تُرى هل كان عبد الرحمن بن خلدون، المولود في مدينة تونس 1322م غريباً فعلا منذ طفولته؟
لا، لم يكن غريباً، بل ممتلئا بالتساؤلات، وكان كل همه هو إيجاد الأجوبة. فقد اكتشف أن لكل شيء جذوره، وتاريخه، وأنك إذا أردت أن تفهم ذلك الشيء، فابحث عن تاريخه، فالنّبات، والحيوان، والناس في المهن والبيوت والشوارع، يتصرفون بحسب تاريخ أجدادهم وآبائهم.
إندهش الأطفال، وهم يسمعون زميلهم يتكلم بهذا العمق.. فقال أحدهم:
- عبد الرحمن، أنت في الحادية عشرة من عمرك، هل هذه أفكارك؟
- رد الصغير: القراءة والمعرفة تزيد من إحساس الإنسان بنفسه.
وبعد ذلك، ذهب الأطفال إلى الشيخ عمران الذي يتولى تعليمهم اللغة، وشرحوا له ما يبدر من زميلهم عبد الرحمن؛ فقال الشيخ:
- دعوة! العباقرة دائماً غرباء في الظاهر، لكنّهم عقلاء في الواقع.
وعندما سمع عبد الرحمن ما قاله أستاذه عنه، تشجع ومضى في طريقه..
ومرت الأعوام بالصغير عبد الرحمن، وصار شاباً يافعاً، فقرّر أن يرحل مع أسرته إلى القاهرة.. ولم تمر سوى أعوام قليلة، حتى كان له شأن كبير بين العلماء، الذين رحبوا به، وطلبوا حضوره، ذات مساء، لإلقاء محاضرة؛ يختبرون من خلالها علمه.. وكم كانت دهشتهم كبيرة، حين وجدوا أنفسهم بحضرة عالم كبير ..!
قال عبد الرحمن، وقد أصبح ذا مكانة بين علماء عصره:
- أريد أن أقدم للناس مرجعاً علمياً ضخماً.
قرر أن يكتب كتاباً علمياً مفيدا للناس، يقع في مئات الصفحات، وأن تكون لهذا الكتاب مقدمة طويلة، يشرح فيها أفكاره.. وبعد فترة، طلع ابن خلدون على الناس بكتاب ضخم، قدم له بمقدمة، طبقت شهرتها الآفاق: إنها مقدمة ابن خلدون لكتابه الضخم في التاريخ..
كتاب: (قدوني العلمية – نماذج من الحضارة العربية الإسلامية)، محمود قاسم، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، ط. 2010، ص. 25 - 30 (بتصرف)